مجلة الآداب (Dec 2018)

الفداء وجهود المسلمين في تحرير أسراهم

  • ليث صلاح نعمان

DOI
https://doi.org/10.31973/aj.v1i119.321
Journal volume & issue
Vol. 1, no. 119

Abstract

Read online

إننا اليوم امة لا بد لها من اليقين بان حاضرها يجب ان يكون امتدادا لماضيها، في قيمها ومقوماتها ومثلها، وان غدها يجب ان يكون وليداً لحاضرها يقول الحق عز وجل ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ ([i]) . الفداء هو تعبير كَثُر استعماله وترديده بسبب كثرة الحروب غير المتكافئة التي دارت وتدور بين الأقوياء والضعفاء أو بين الأمم القوية والامم المستضعفة، أو بين كتل طاغية متجبرة وكتل نامية ناشئة. ولقد استخدم " البوير" وهي كلمة العمل الفدائي في حرب جنوب افريقيه من سنة 1899م إلى 1902م، واستخدمته بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، واستخدمه الفلسطينيون سنة 1948م([ii]). مادة " الفداء" في لغة العرب تدل على جعل شيء مكان شيء حمى له وتقول فديته أو أفديه ؟ كأنك تحميه بنفسك أو بشيء يعوض عنه، والفداء ايضاً فكاك الأسير, والمفاداة هي ان تفتك الأسير بأسير مثله([iii]) وهناك كلمات ومصطلحات تستعمل بمعنى "الفداء" منها كلمة (البذل)، وان كانت هذه الكلمة تدل في اصلها على ترك صيانة الشيء، ولعل السر في هذا الاستعمال ان الإنسان حين يفدي عقديته أو أمته بنفسه يكون كان قد ترك صيانة نفسه فقدمها رخيصة من اجل ما يؤمن به، وكذلك تستعمل هذه الكلمة بمعنى "الإعطاء", وتستعمل كلمة التضحية بمعنى الفداء والضحية أو الاضحية في الشرع هي الذبيحة التي يقدمها الإنسان لمقصد ديني، ولعلَ أستعمال كلمة التضحية بمعنى الفداء كان على تشبيه الإنسان الذي يقدم روحه فداءً لعقيدته بمن يذبح هذه الروح ضحية وفداء وعلى هذا جاء قوله تعالى في شان الذبيح إسماعيل ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭼ ([iv]), أي جعلنا هذا المذبوح فداء له وخلصنا به من الذبح ([v]). ومن نماذج الفداء التي يعرضها " القران الكريم" هم سَحَرة فرعون يستدعيهم ليردوا على معجزة موسى الالهية حيَن القى عصاهُ فاذا هي ثعبان مبين، فيقبلون عليه وهم ما زالوا في ضلالهم وحبالهم، ويطمعون في الأجر المجزي من فرعون ان افلحوا، قالوا ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ ([vi]), وسارع فرعون فأعطى وعده الواسع الفضفاض قال لهم ﭽﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ ([vii]) . وبدا الصراع بين محاولة المخلوق العاجز وقدرة الخالق المسيطر, فالقى السحرة حبالهم وعصييهم وقالوا من اغترارهم بفرعون، وانخداعهم بسلطانه ﭽوَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرعَونَ إِنَّا لَنَحنُ الغَـلِبُونَﭼ ([viii]), ولكن موسى القى عصاه بوحي من الله ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ ([ix]), وانتظر موسى واندحر سحر الساحرين وسطع الضوء الحق وامحي تمويه الباطل, فاستبان للسحرة نور الايمان وظهر الطريق المستقيم للعيان ([x]), ولكن فرعون ما زال هناك بقوته وفجوره .... ليكن ما يكون، فمن عرف الحق وامن به لزمه وحرص عليه واقدم السحرة على عملهم الفدائي الذي ردده القران وأكده فقال في سورة الأعرف ﭽ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭼ ([xi]) . وتروي لنا السيرة عن بطل الفداء الاول هو النبي الاكرم محمد – صلى الله عليه وسلم – في ليلة الهجرة الرحلة الخطيرة المحفوفة بالأهوال والمخاطر بعد ان تأمرت عليه جموع الشرك، وكذلك الإمام علي بن ابي طالب ( عليه السلام) والذي وقف بوجه الكفار , ويتلقى منه دروس الفداء وعلي – رضي الله عنه - هو الذي كان يقول (والله ما ابالي ادخلت على الموت أو خرج الموت الي)، و وكان يقول ( والذي نفس ابن ابي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة الفراش في غير طاعة الله ) ([xii]). ان أحكام الأسرى والسبايا في الإسلام والتي استنبطها الفقهاء وكانت محلاً لاجتهادات كثيرة ادت إلى اختلافهم في مسائل كثيرة ، وما دامت هي كذلك فإنها ينبغي ان تتأثر القواعد فيها بكل تطور ينتج مصلحة عامة وان تأخُذ بكل تشريع حربي وسلمي معاصر ما دام لا يتعارض في نظرة الشريعة للحرب والسلم ([xiii]). يقول ابن كثير في تفسيره " لقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء والفقهاء ويرى ان الامام مخير فيهم ان شاء قتل وان شاء فادى بمال وان شاء استرق من أسير, ثم تنسحب أحكام أسرى بدر على أسرى سائر الغزوات"([xiv]). وتبرز سمة الأسرى الغير مسلمين في أسلوب معاملتهم من قبل المسلمين ومن هذه السمات: إطعامهم والبر بهم . احترام كيان الإنسان والإحسان إليه في المعاملة . الرفق بالضعيف والمحافظة على مشاعر المهزوم. كسوتهم. عدم التعذيب بأي لون من ألوان التعذيب كالضرب أو التجويع .... إلى غير ذلك. وهذا ما نص عليه اتفاقية جنيف في الأسرى وهي إطعامهم ولباسهم وكسوتهم ويجب ان تكون في نفس المستوى المتبع لجيش الدولة الأسره، وهي في الحقيقة مبادئ الدين الإسلامي الحنيف في معاملة الأسرى ([xv]). أما الأسرى المسلمون اذا ما وقعوا في أيدي أعدائهم غير المسلمين فأن الدول (الغير مسلمة) تبعيهم بيع الرقيق فيشتريه مشرك ويستعمله عبدا من عبيده إلى ان يأذن الله له بالخلاص، أو قد يشتريه مسلم فيدفع ثمنه لبائعة فيصبحُ ملكاً له وهكذا، وهذه الاتجاهات تلتقي عن نقطة واحدة في فضيلة التكامل الواجبه بين المسلمين، فالقادر على الشراء يتطوع ليحرر أخاه المسلم، فيؤدي الى صاحبها ثمن هذه الحرية، فاذا عجز فالدولة المسلمة كافلة من لا مال له ([xvi]). ومعنى ذلك ان الأسير المسلم ان كان في قبضة عدوه، فهو في ذمة اخوانه هان استطاعوا ان يشتروه من آسره، كما يشترون الرقيق, ثم يطلقونه حرا بعد ذلك، وان استطاعوا ان يفتدوه بمال أو غير ذلك افتدوه، وهذه مقارنة بين الأسير المسلم اذا وقع في يد الغير مسلم , والأسير الغير مسلم إذا وقع في يد المسلم . وقد قسم البحث إلى عدة موضوعات منها جهود المسلمين السياسية في تحرير أسراهم، وجهود المسلمين العسكرية في تحرير أسراهم، وجهود المسلمين الشعبية في تحرير الأسرى ومنها جهود العلماء والاثرياء والنساء، ثم نماذج من تعامل المسلمين في تحرير الأسرى , ومن ثم خاتمة البحث, والنتائج والتوصيات, وقائمة المصادر والمراجع. أهمية البحث : تكمن أهمية البحث في دراسة الجهود التي بذلها المسلمون في سبيل تحرير أسراهم، وهذه الجهود تدعو إلى الفخر، وتدل على ترابط أفراد المجتمع المسلم, وتؤكد مكانة الجندي المسلم عند قادته ومجتمعه، وهي جهود تستحق التقدير. ([i]) سورة ال عمران، الآية : 126. ([ii]) الشرباصي, احمد: الفداء في الإسلام, دار الجيل, بيروت، المجلد الاول، ط1 ,1996م، ص : 10 – 11. ([iii]) المصدر السابق نفسه، ص : 12. ([iv]) سورة الصافات، الآية : 107. ([v]) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (ت: 774هـ)، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان، 1395هـ - 1976م , ص:482. ([vi]) سورة الأعراف، الآية : 113. ([vii]) سورة الأعراف، الآية : 114. ([viii]) سورة الشعراء، الآية : 44 ([ix]) سورة الأعراف، الآية : 117 – 118. ([x]) الشرباصي، احمد: الفداء في الإسلام، ج 1، ص:23. ([xi]) سورة الأعراف، الآية : 120، 121، 122، 123. ([xii]) ابن كثير : السيرة النبوية، ج1، ص: 490. ([xiii]) عامر، عبد اللطيف : أحكام الأسرى والسبايا في الحروب الإسلامية، جامعة الزقاريق, القاهرة، دار الكتاب المصري ,ط1، 1986، ص 14. ([xiv]) تفسير القران العظيم، دار أحياء التراث العربي، بيروت ,1969م، ج3، ص :226. ([xv]) العمري، احمد سويلم : العلاقات السياسية الدولية، ص : 348. ([xvi]) ابن قدامة، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي (ت: 620هـ) ، المغني، مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م، ج10، ص494 .