مجلة ابحاث كلية التربية الاساسية (Dec 2014)
بلاغةُ الحذفِ في القرآن الكريم
Abstract
يعدّ الحذف ظاهرة بارزة في اللغة العربية نحواً ومعنى ، وذلك لاقتضائه وتوقفه على أمرينِ وجود قرينة تدل على المحذوف ، ووجود المرجّح له .فأما الأمر الأول فمرجعه إلى علم النحو ؛ إذ لا يصحّ الحذف أبداً إلا بتوافر القرائن عليه، وأما الأمر الآخر فمرجعه إلى المعنى ؛ لأنه لا يكون حذف من دون توافق معه .ولعل كلا الأمرين معتمد في بحثنا هذا ؛ لأننا بصدد توجيه المتغيرات النحوية نحو المعنى، ويمكن القول إننا لا ندرس الحذف مثلما ورد عند البلاغيين فحسب ، إذ درسوه بوجه عام، بل ندرس المواضع التي نصّ النحاة على وجود حذف فيها دراسة معنوية ، سواء أكان الحذف واجباً أم جائزاً ، وسواء أكان المحذوف عمدة أم فضلة في الكلام .إنّ علامة الإعراب قد تكون قرينة مهمة على نوع المحذوف اسماً كان أو فعلاً ، فإن لكل ذلك صلة بالمعنى وأثراً في البيان ، فالاسم - مثلاً - إن كانت علامته رفعاً طلب تقديراً مختلفاً عمّا يطلبه الاسم المنصوب ، وأعني بذلك أن تعيين المحذوف أمر تفرضه قرائن النحو ، ويطلبه المعنى والسياق ، فلكل قرينة وتقدير ضرب من المعنى ، وليس الأمر بينهما سواء .ولم يفرّق النحاة بين تقدير الاسم والفعل فحسب ، بل فرقوا أيضاً بين فعل وفعل آخر دلالة ومعنى ، مبيّنين ما في اللغة من نظام يقتضي في الأصل ذكر أطراف البنية النحوية ذكراً مفصلاً ، فإذا ما سقط شيء منها فذلك اعتماد على دلائل الحال أو المقال .وهذا أمر ينقض رأي المنكرين لفكرة الحذف عند النحاة ، وعدها فكرة خاطئة – ولا سيما فيما ذهبت إليه المدرسة البنيوية والمنهج الوصفي ومن تبعهم بوجه عام ، فما ذهب إليه هؤلاء مردود بتلك الإشارات النحوية التي لم تكن قائمة على التوهم – كما زعموا – بل هي قائمة على شيء ملموس من واقع اللغة نحواً ومعنى . وسندرس الحذف في القرآن الكريم دراسةً بين النحو والمعنى مقسمينَ إيّاه على أربعة مباحث: المبحث الأول : حذف العمدة ويشتمل على : حذف المبتدأ ، وحذف الخبر ، وحذف الفعل، وحذف الفاعل ، وسيأخذ النصيب الأكبر من بحثنا هذا، والمبحث الثاني : حذف بعض العناصر المتلازمة كحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وحذف الموصوف وحذف الصفة وحذف جملة جواب الشرط ، والمبحث الثالث : حذف الفضلة ويشتمل على حذف المفعول به وحذف الحال وحذف التوكيد ، والمبحث الرابع : حذف الحروف ، يسبق ذلك كلّه تمهيد موجز نتناول فيه معنى الحذف لغةً واصطلاحاً ، والأدلة على الحذف وشروطه ، ومزاياه ، وفي خاتمة البحث نوجز النتائج التي يتمخّض عنها ، ونريد إيصالها إلى القارئ .