مجلة الآداب (Jun 2015)

الرؤية النقدية للإبداع الشعري في التراث النقدي عند العرب

  • Sahab Muhammad Al-Asadi

DOI
https://doi.org/10.31973/aj.v0i112.1439
Journal volume & issue
no. 112

Abstract

Read online

يتمثّل الإبداع الشعري في النصوص الشعرية ، التي تمتلك قدرات دلالية متجدّدة، تحتاج إلى التأمّل والتروّي ، لكشفها والتمتّع بأجوائها الفنية، التي تُثير فكر المتلقّي وانفعاله ومتعته. وتتولّد الإثارة في الإبداع الشعري بسبب الارتقاء الفني للغة النصّ، التي هي لغة مجازية عصيّة على التحديد والتقنين، منفتحة على الاحتمال والتأويل([i]). ومن هنا تأتي صعوبة تتبّع أثر الإبداع الشعري في معايير التراث النقدي التي ظلّت تتعامل بحذر شديد مع لغة النص المجازية([ii]). يُثير طرح ((مفهوم الإبداع الشعري)) تساؤلات كثيرة في المصطلح والمنهج، ولعل في مقدمتها، ما هو الأفق الدلالي لمصطلح ((الإبداع)) ؟ وهل ثمة فرق بين الإبداع والبديع؟ ثمّ هل كان للإبداع حضور في المعيار النقدي القديم؟ وهل هناك شعر إبداعي وآخر لن يحظى بهذا الوصف؟ وإذا سلّمنا بذلك ، ما هي القيم الشعرية التي تفرّق بين الاثنين ؟ وما هي ضرورة تخصيص وصف الإبداع بالشعري؟ الدلالة اللغوية للإبداع : من بَدَع بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه وأبدعتَ الشيء اخترعته لا على مثال سابق ، وبدُع بَدَاعه بُدُوعاً صار غاية في صنعته ، والبديع المُحدَث العجيب ، وأبدع الشاعر جاء بالبديع . وتكاد تتفق المعاجم اللغوية والنقدية([iii]) على منح الإبداع دلالات تدور في إطار الاختراع والابتكار ، وبما يمنح النتاج الإبداعي الأوصاف الآتية : الجدة 2. البراعة والغرابة 3. الأصالة وهي مفردات ترفد الدلالة الاصطلاحية للإبداع ، التـي صارت مرادفة لمفهوم الخلق الفني للنص الشعري، وتفرّد مبدعه في إقامة علاقات لغوية غير مألوفة في سياق مجازي ، يصوّر من خلاله رؤيته الجديدة للعالم والواقع الذي يعيشه. أمّا مصطلح (البديع) ، فلا يخرج في دلالته اللغوية عن معنى (الإبداع) ، غير أن التراث النقدي سعى إلى اختزال دلالته الاصطلاحية ، ليكون عنواناً للشعر الجديد الذي بدأه بشار بن برد ، وبلغ ذروته على يد أبي تمّام ، إذ تمثلت جدته عند الناقد القديم في كثرة استخدامه للفنون البلاغية ، التي لا تتعدى وظيفتها عنده تزيين الكلام وتحسينه ، في إطار تقليد النموذج الشعري القديم([iv]) . ولا ينكر التفكير النقدي القديم أن الإبداع الشعري هو الإتيان بالجديد، ((من لطائف الابتداع... أبكارٌ لم تفترعها الأسماع، يصبو إليها القلب والطّرف))([v])، وهو جوهر الشعر وسرّه([vi])، والمنطلق الذي يمنح منتج النص صفة الشاعر أو يسقطها عنه([vii])،غير أن هذا الجديد ظلّ يتجلّى في عرف التراث النقدي في نموذجين إبداعيين: الأول : نتاج شعري مقيد بوجوب ترسّم طريقة الشعر القديم ، المُتجسّد بنموذج (الشعر الجاهلي) ، ولا يجوز الابتعاد عن نهجه في بناء لغته وإنتاج صوره ، فهو جديد بلباس تقليدي([viii]) ليس من الإبداع في شيء ، ويدخل ضمن هذا النمط الشعري ، الأبيات التي لم تتحرّر دلالات ألفاظها من مدلولاتها ، فلم ترقَ تراكيب لغتها إلى المستوى المجازي ، الذي يكون التأويل مفتاحاً لقراءتها . والثاني : خلق شعري يسعى إلى التمرّد على هذه القاعدة ، والإتيان بما لم تجر العادة بمثله([ix]) ، فقدّم نموذجاً شعرياً أصيلاً ، اعتمد الفكر ولم يركن لسهولة التقليد ، فهو يدخل حقاً في دائرة الجديد ، الذي يستحق تسمية الإبداع . غير أنّ النقاد القدماء قد ترددوا في قبوله ، ووصفوه بالغرابة والإبهام والإحالة ، وبما يوحي بذمه والتندّر عليه ، وبعدم جدواه([x])، وحتى تكفيره([xi]). وهو في الواقع النتاج الشعري الذي استثمر طاقات اللغة التوليدية ، القادرة على منحه صفة التجدد . إنه جديد متحرر من سلطة العرف التقليدي وثائر عليها([xii]) . وفي ضوء هذا التصنيف النقدي للحصيلة الشعرية ، نستطيع القول إن هناك شعراً إبداعياً ، وآخر يقع خارج أجواء الإبداع ، غير أنه لن يفقد صفة الشعر ([i]) لقد أسس هذا الانفتاح اللغوي مبدأ نقدياً يقول : ((شيئان لا نهاية لهما البيان والجمال)) المثل السائر: 1/57. ([ii]) فالآمدي – مثلاً – يُريد للمجاز ألاّ يخرج عن وظيفة الحقيقة المتمثّلة بالفائدة إذ يقول: ((إن الكلام إنما هو مبني على الفائدة في حقيقته ومجازه)) الموازنة : 1/191 , ويعلّق القاضي الجرجاني على لغة الشعر المجازية بقوله: ((ومتى أُتبع فيها الرخص، وأجريت على المسامحة، أدت إلى فساد اللغة ، واختلاط الكلام)) الوساطة: 433. ([iii]) ينظر اللسان مادة (بدع) ، معجم النقد العربي القديم : 1/70 ، المصطلح النقدي في نقد الشعر : 64 ، كما ينظر تحليل مفهوم الإبداع في إشكاليات الفكر العربي المعاصر : 54 . ([iv]) ينظر تتبع دلالة مصطلح (البديع) في الشعر الجاهلي والقرآن الكريم والحديث النبوي ، وفي أبرز كتب التراث العربي حتى القرن السابع الهجري ، في بديع القرآن : 8-32 . ([v]) زهر الآداب : 1/4 ، وفي قوله تأكيد على علاقة الإبداع الشعري بإعمال الفكر . ([vi]) يشير مصطلح جوهر الشعر عند الجاحظ إلى الإبداع في النص الشعري ، ينظر الحيوان : 3/131 ، البيان والتبيين : 4/24 ، وقد وُصف الجاحظ في بحثه عن جوهر الشعر ، بأنه غاص على سرّ الشعر ، ينظر الكشف عن مساوئ المتنبي : 223-224 ، وسر الشعر عند حازم القرطاجني لا يوجد إلاّ في الشعر المبتكر ، وهو سرٌ لطيف يستخرج من مكامن الشعر ، ينظر منهاج البلغاء وسراج الأدباء : 192-196 . ([vii]) يستبعد ابن فارس صفة الشاعر عمّن يتحرى الصدق في نظمه ، ولا يأتي فيه بأشياء لا يمكن كونها البتة ، ينظر الصاحبي في فقه اللغة : 480 ، ويقول ابن رشيق : ((إذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه أو استظراف لفظه وابتداعه أو زيادة فيما أجحف غيره من المعاني ... كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة)) ، العمدة : 1/116 . ([viii]) ينظر كتاب البديع : 1 ، 3 ، 58 . إذ ركّز ابن المعتز في كتابه على تأكيد هذا المعنى ، من خلال ما ساقه من شواهد شعرية كثيرة . ([ix]) ينظر العمدة : 1/265 . ([x]) نستثني من ذلك جهود عبد القاهر الجرجاني القيّمة ، في الكشف عن موضوعات الإبداع الشعري تنظيراً وتطبيقاً في كتابيه : أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز . ([xi]) من بين الشعراء الذين اتهموا بالكفر بسبب شعرهم أبو نواس ، ينظر الشعر والشعراء : 2/807 ، وعلي بن جبلة العكوك ، ينظر طبقات الشعراء : 172 . ([xii]) فأبو نواس – مثلاً – يدعو إلى التحرر من نموذج الشعر الجاهلي في قوله : صفة الطلول بلاغة القدم وإذا وصفـت الشــيء متبعـــاً فاجعل صفاتك لابنة الكرم لم تخــلُ مـن زللٍ ومـن وهــم ينظر أخبار أبي تمام : 16 ، 17 ، ولأبي نواس أشعار أخرى في هذا الخصوص ، ينظر العمدة : 1/231 ، 232، والبيتان في ديوانه : 2/311 ، 313 .

Keywords