مجلة الآداب (Dec 2018)

تأسيس نص صدر الدين الشيرازي للوعي الفلسفي عند مرتضى مطهري

  • عمار عبد الكاظم رومي

DOI
https://doi.org/10.31973/aj.v1i120.293
Journal volume & issue
Vol. 1, no. 120

Abstract

Read online

كثف مطهري* في درسه للنص الشيرازي** على بحث الالهيات ، فتمكن مطهري من إستيعاب فلسفة صدر الدين الشيرازي ، وقد توصل مطهري إلى ذلك الاستيعاب بعد ان اتقن الفلسفة اليونانية ، فجاءت دراسته للنص الشيرازي محكمة وعلى وجود استدلالات فلسفية متقنة ، قاعدتها البنى المنطقية ، ان ميزت النص الشيرازي وفقا لمطهري انه احدث تحول في وعيه الفلسفي في بناء منظومته الفكرية ، فمن طريق الجملة الفلسفية والصياغة النسقية عمل النص الشيرازي على طرح المسائل الفلسفية بطريقة منظمة ، وهذه الطريقة تخلو من فوضى أساليب الاستنتاج والاستدلال ، فأفترض مطهري أننا قبل النص الشيرازي كنا نمتلك مدرستين فكريتين ، هما المدرسة الافلاطونية *** والمدرسة الأرسطية ****، فقد نحتت هاتين المدرستين تأريخ الفلسفة بعد ذلك ، حتى ظهور فلسفة الشيرازي والتي هي على وفق مطهري قد خطت للفكر الاسلامي طريقا ثالثاُ ، فذلك الطريق الثالث أصبح مركزاً الثقل الجامع لأربعة اتجاهات فكرية من مشائية ، واشراقية ، وعرفانية ، وصوفية، لم يعمل الشيرازي وفقا لمطهري على الجمع بين كل تلك الاتجاهات جمعا ميكانيكياً ، وانما كانت قراءة جديدة فيها من الابداع والابتكار الشيء الكثير ، فعلى الرغم من تعارض البنى الاساسية بين تلك الاتجاهات الفكرية ، بين اتجاه يعتمد البرهان كأساس في بنائه الفلسفي ، وبين اتجاه يعتمد الحدس في بنائه الفكري ، وبين اتجاه آخر يعتمد النص كأساس في بنائه الفكري ، هذه الاتجاهات التي صاغت الفكر الإسلامي ولكل منها منهج مختلف وغاية متنوعة وسلوك معرفي خاص ، اضحى كل ذلك على صفحات الشيرازي الفلسفية وكأنها اتجاه فلسفي واحد ، ان آليات الشيرازي المعرفية في التفكير كانت تعمل على تغيير بنية علم الكلام او بنية علم الاصول على سبيل المثال ، على أسس فلسفية ، وبالتالي تغيرت تدريجياً مرتكزات علم الكلام وأيضاَ تغيرت مرتكزات علم الاصول ، فمن اهم المسائل التي طرحت في علم الكلام ، هي مسألة قدم العالم أو حدوث العالم ، وكان السائد في فلسفات ما قبل الشيرازي هو ايجاد نوع من الاقتران بين العلة والمعلول ، فان العلة تدور مع المعلول أيجاداً وعدما ، فاذا كانت العلة حادثة ينبغي ان يكون المعلول حادثاَ أيضا ، واذا كانت العلة قديمة ينبغي ان يكون المعلول قديما أيضا ، واذا كانت العلة موجودة ينبغي ان يكون المعلول موجودا ايضا ، واذا كانت العلة معدومة ينبغي ان يكون المعلول معدوم ايضا ، فيفترض مطهري أن النص الشيرازي قد عمل على الاخذ بالحسبان التطورات الحاصلة في تاريخ الافكار الفلسفية ، فمن المسائل المهمة في ذلك التاريخ ، هي مسألة الحركة والوجود وغيرهما من المسائل ، لقد امتاز النص الشيرازي انه تعاطى مع المسائل الجوهرية في الفكر الاسلامي بطريقة تختلف عن طريقة المؤسسين الاوائل ، فعلى سبيل المثال أسس الكندي*****الإلهيات على اصول رياضية ، في الوقت الذي أسس فيه الفارابي****** الإلهيات على اصول طبيعية ، بمعنى ان الكندي قد تعاطى مع المسائل الجوهرية في الفكر الاسلامي بطريقة بعدية ، في حين نجد ان آليات التعاطي الشيرازية مختلفة بدرجة كافية ، فيستنتج مطهري ان فلسفة الشيرازي هي فلسفة قد عملت على تدشين نص ميتافيزيقي يفترق عن نص الفارابي الميتافيزيقي وعن نص ابن سينا*******الميتافيزيقي ،فقد افترض الشيرازي انه لا ينبغي التعاطي مع المسائل الفلسفية تعاطيا تجريدا ، وانما تكون آليات التعاطي قائمة على اصول فيزيقية ، هذه الالية جعلت من النص الشيرازي يفترق عن بقية النصوص الفلسفية ، فلا يمكن بأي حال وفقا لتصورات مطهري ان نفترض ان النص الشيرازي معادل موضوعيا لنصوص سابقيه ، فقد بنى نصه الفلسفي على اتجاهات الفكر الاوسع انتشارا في ثقافة عصره ، ان تأكيد النص الشيرازي على مبحث الوجود ، يعكس تصورا قائما في ذهن الشيرازي ذاته ، وهو ان الوجود يتعاطى مع موجوداته تعاطيا مراتبيا ، بمعنى ان الوجود منقسم على مراتب ، أي درجات ، فدرجات الوجود تصنف على اساس انها انواع واجناس وجواهر ، لقد ادرك مطهري بوضوح كيفية احداث نوع من الاقتران بين تصوره للوجود ولواحقه وبين تصور الفلاسفة السابقين ، فقد اكدت فلسفة الشيرازي بطريقة مضاعفة على اهمية العقل بالنسبة للواقع ، ففي الوقت الذي انتجت فيه الفلسفة السابقة عن فلسفة الشيرازي نصوصا اكدت فيها على الاهمية الجزئية للعقل في ادراكه للواقع ، احتل العقل في نصوص الشيرازي مركز الصدارة في نصوصه الفلسفية ، لقد افترض مطهري في درسه للنص الشيرازي ، ان الشيرازي قد انتهى انه في الوجود نظام كلي في غاية الاتساق والدقة ، وعن طريق ذلك النظام توصل الشيرازي الى بناه الفلسفي واذا كان هذا التصور قد اشترك فيه بعض الفلاسفة السابقين مثال الفارابي وابن سينا ، ولكن نقطة الاختلاف في فلسفة الشيرازي ، هي الافادة من تصورات الشيرازي من قبل المتصوفة والمتكلمين او أثر تلك التصورات في آراء المتصوفة والمتكلمين ، ولكن في هذا النظام الشيء الكثير من الاحداث التي لا تدل على تلك الدقة ، وذلك الاتساق في هذا النظام ، ولحل هذه الاشكالية ، تعاطى النص الشيرازي معها عن طريق أستدعاء المنطق اولا واستدعاء للغة ثانيا ، ثم العمل على ترجمة تلك الاحداث المعينة ترجمة دقيقة ووضعها في سياقها المنطقي واللغوي ، فقد ميز النص الشيرازي بوضوح بين تلك الاحداث ذات المفاهيم والتي يمكن اخضاعها للمنطق و التي لا يمكن ذلك ، فاذا كان المصطلح الذي يدل على الحدث ممكن التعاطي معه منطقيا ووضعه ضمن تراتبية وجودية فهو واذا لم يمكن ذلك يرد ، بمعنى ان الاحداث التي لا يمكن ترجمتها منطقيا ولغويا ، أي وضعها في نسقها التراتبي الوجودي ، فيكون التعاطي الشيرازي معها تعاطيا عدميا ، فهي تخضع لاليات التفكير الفلسفي مع فكرة العدم او الاشياء العدمية ، واكثر ما يلفت الانتباه في هذه النقطة ، هو الاهتمام المكثف للشيرازي بالنص السينوي ، فلم يتعاطى الشيرازي مع هذا النص أي النص السينوي تعاطيا بمستوى واحد ، وانما اخضع هذا التعاطي لعدة مستويات ، ففي المستوى الاول تعاطى الشيرازي مع النص السينوي ، في هذا المستوى يعمد الشيرازي الى الرفض المطلق او المبدئي لبعض اطروحات النص السينوي ، في هذا المستوى يعمد الشيرازي الى الرفض المطلق او المبدئي لبعض اطروحات النص السينوي ، وفي مستوى آخر يعمل الشيرازي على الاتفاق المبدئي والاختلاف على التفاصيل ولكن من دون ان يطرح الشيرازي البديل ، وفي مستوى ثالث من التعاطي يوجد اتفاق مبدئي ، ومع الاختلاف في التفاصيل ولكن مع طرح الشيرازي للبديل ، فتلك المستويات الثلاثة في التعاطي الشيرازي مع النص المشائي او النص السينوي او المشائية الاسلامية قد أسس للفضاء المعرفي لمدرسة الحكمة المتعالية ، فأن الشيرازي قد عمل على تدشين مشروعة الفكري عن طريق احداث قطيعة مع النص السينوي ، وينتهي مطهري من درسه للنص الشيرازي الى ان هذا النص لا يكتفي بأثارة التعريف انما ينتقل من اثارة التعريف الى اثارة التطبيق ، وكانت غاية مطهري من وراء ذلك إلى ان النص الشيرازي يعمل على معالجة القصور الحاصل في عدم الفصل بين الفضاء المعرفي الميتافيزيقي والفضاء المعرفي الفيزيقي ، ان النص الشيرازي وفقا لمطهري امتاز بنظرة تفاؤلية الى الوجود الميتافيزيقي والى الوجود الفيزيقي ، وهذه النظرة ارتكزت على رؤية الشيرازي الى واجب الوجود بوصفه خير محض ، لقد كان لهذه الرؤية الاثر الاكبر في توجيه فلسفة الشيرازي ، ولم يخرج الشيرازي عن هذه الرؤية ، وعلى الرغم من التزام الشيرازي بهذه الرؤية الا انه بقى ناقدا للنص السينوي ، لقد افاد الشيرازي كثيرا من النص السينوي في بناء منظومته الفكرية ، ولكنه تجاوز هذا النص بطرحة الجديد او الاصوب طرحه التأسيسي، وقد تجلى هذا التأسيس الشيرازي في تعاطي مطهري مع المسائل الاساسية والثانوية في الفكر الاسلامي، بطريقة تستثمر الجديد في هذا الفكر، فيعمل مطهري إلى إجراء نوع من التصنيف لتأريخية الفكر الاسلامي ، بحيث يمكن تصنيف هذه الفكر الى أربعة فضاءات ، ففي الفضاء الاول – يرى مطهري أنه توجد جملة مسائل فلسفية ، حافظت على طرحها العام ، فلم يحدث فيها أي تحويل او تبديل او تطور ، ومنها مسائل المنطق وتحديدا المقولات . وبعد ذلك ينتقل مطهري الى فضائه الثاني ، وفيه من المسائل الفلسفية ، انجز فيها الفلاسفة المسلمون اتمامها ، وفي طريقة الاتمام هذه ، تكون بالصورة التي يتم فيها العمل على أضافة طرائق جديدة ، حول البرهنة والاستدلال ، فيحاول مطهري طرح الفكرة التي تفترض انه يوجد فارق بين الطرح التصوري حول المفهوم الفلسفي وحول المفهوم الرياضي ، فلا فائدة تجنى من تكرار المفهوم الرياضي ، ولكن في المفهوم الفلسفي يكون التأكيد على البرهان نافع جداً ، في تنوع مصادر التعاطي مع هذا البرهان ، ومثال هذه المسائل صدور الكثرة عن الوحدة وأمتناع التسلسل واتحاد العاقل بالمعقول . وبعد ذلك ينتقل مطهري الى فضائه الثالث ، وفيه المسائل الفلسفية بقيت على اطارها العام ، ولكن ان مضمونها قد تغير ، ومن أهم المسائل التي يطرحها مطهري هنا ، هي نظرية المثل الافلاطونية ، فقد حافظت على الاسم فقط ، من واضعها الاول افلاطون ، وانتقدها بشدة ارسطو ، ورفضها أبن سينا وتبناها الشيرازي . وبعد ذلك ينتقل مطهري الى فضائه الرابع ، وهو الفضاء الذي تجلت فيه عبقرية الشيرازي وجديدة الفلسفي ، ليس على مستوى الاصطلاح فقط وانما على مستوى المضمون أيضاً، ومن هذه المسائل الفلسفية ، ماهية الوجود وأصالة الماهية وأصالة الوجود والوجود الذهني والحركة الجوهرية. ان تأكيد الشيرازي على هذه المسائل الخمسة في نحته التأسيسي ، قد جسد الاصول الفلسفية الاساسية لمدرسة الحكمة المتعالية ، والتي شكلت تلك الفقرات الخمسة ، اصولا خمسة كانت نقطة الافتراق عن المدراس الاسلامية الاخرى ، ان مطهري في تعاطيه مع النص الشيرازي قد كان امتدادا لذلك الطرح الجديد بالنسبة لمرحلة أنتاج النص الشيرازي ، فضلا عما ما انتجه مطهري من اضافات جوهرية على هذا النص ، فقد وسع مطهري من أفق هذا النص، ليشمل موضوعات لم تكن مطروحة او لم تطرح بطريقة مختلفة ، واهم ما في طرح مطهري هو اللغة الفلسفية التي صاغ بها فلسفته حول الحكمة المتعالية ، والتي قربت تلك اللغة الفلسفية من الفضاء الثقافي المعاصر ، لذا سوف اركز في بحثي هذا على هذه الفقرات الخمس .